الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب الاستِسقَاء: هو لغة: طلبك السقيا لنفسك أو لغيرك.وشرعا: طلبها من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص. صلاة الاستسقاء من ذوات الأسباب التي تشرع عند وجود سببها كالكسوف، وصلاة الجنازة. وسببها: تضرر الناس بالقحط من انقطاع الأمطار، أو تغَوُّر الآبار، أو جفاف الأنهار. الحديث الأول: عَنْ عَبْدِ الله بن عَاصِم المَازنيِّ قال: خَرَج النبي صلى الله يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلى القِبلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَين جَهَرَ فِيهِمَا بالقِرَاءَةِ، وفي لفظ: أتَى المُصَلَّى. المعنى الإجمالي: لما أجدبت الأرض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، خرج بالناس إلى الصحراء، ليطلب السقيا من الله تعالى. فتوجه إلى القبلة، مظنة قبول الدعاء، وأخذ يدعو الله أن يغيث المسلمين، ويزيل ما بهم من قحط. وتفاؤلا بتحول حالهم من الجدب إلى الخصب، ومن الضيق إلى السعة، حوَّل رداءه من جانب إلى آخر، ثم صلى بهم صلاة الاستسقاء ركعتين، جهر فيهما بالقراءة لأنها صلاة جامعة. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية صلاة الاستسقاء، وأجمع العلماء على استحبابها اٍلا أبا حنيفة فإنه يرى أن الاستسقاء يشرع بمجرد الدعاء، وخالفه أصحابه. 2- أنه يشرع لها خطبة، تشتمل على ما يناسب الحال، من الاستغفار، والتضرع، والدعاء، والزجر عن المظالم والأمر بالتوبة. 3- أن تكون الخطبة قبل الصلاة، وقد ورد في بعض الأحاديث. ففي مسند الإمام أحمد أنه يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم. وعن الإمام أحمد في ذلك ثلاث روايات: أ- تقديم الصلاة. ب- عكسها. جـ- وجواز الأمرين. 4- استقبال القبلة عند الدعاء، لأنها مظنة الإجابة. 5- مشروعية تحويل الرداء أثناء الدعاء، تفاؤلاً بتحول حالهم من القحط والجدب إلى الرخاء والخصب. 6- الجهر في صلاة الاستسقاء بالقراءة، وهذا شأن كل صلاة تكون جامعة، كالجمعة، والعيدين، والكسوف. 7- أن تكون صلاتها في الصحراء، لتتسع للناس، وليبرزوا بضعفهم، وعجزهم أمام الله تعالى، مادِّين يدَ الافتقار والذلِّ. الحديث الثاني: عَن أنس بن مَالِك: أنَّ رَجُلا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَاِئمٌ يَخطبُ. فاستقْبَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَاِئماَ ثمَّ قَال: يَا رسُولَ الله، هَلَكَتِ الأموَالُ وَانقَطعتِ السُّبُلُ فادع الله يُغِثْنَا. قال: فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أًغِثنا، الّلهُمَّ أغِثنا، اللهُم أغثنا». قال أنس: فَلاَ وَالله مَا نَرَى في السمَاءِ مِنْ سَحَاب وَلاَ قزَعةٍ وَمَا بيننَا وَبَين سَلع مِنْ بَبْتِ وَلاَ دَارٍ. قال: فَطَلَعَت مِنْ وَرَاَئِهِ سَحَابَة مِثلُ التُّرس، فَلمَّا تَوَسطَتِ السمَاءَ، انتشرَتْ ثُمَّ أمطَرَتْ. قَال: فَلا والله مَا رأينا الشمسَ سَبْتاَ. قال: ثم دَخَلَ رَجل مِنْ ذلِكَ البَابِ في الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ الله قائم يخطبُ فَاستقْبَلَهُ قَاِئما فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هَلَكتِ الأموَالُ وَانقَطَعَتِ السبلُ، فَادعُ الله يُمسِكْهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثم قَالَ: «الَلهُم حوَالينا وَلا عَلَينا، الّلهُم عَلى الآكام وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأوْدِية وَمَنَابِتِ الشجَرِ» قال: فاقلعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشى في الشَّمس. قال شَريك: فَسَألتُ اُنسَ بنَ مَالكٍ أهُوَ الرجُلُ الأول؟ قال: لاَ أدرِى. الظِّراب: الجبال الصغار. ووالآكام جمع أكمة وهي أعلى من الرابية ودون الهضبة ودار القضاء: دار عمر بن الخطاب رضي الله عنه سميت بذلك، لأنها بيعت في قضاء دينه. الغريب: دار القضاء: دار لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، بيعت لقضاء دينه بعد وفاته، غربي المسجد. يغثنا: هو بالجزم لأنه جواب الطلب. ولا قزعة: القزعة القطعة الرقيقة من السحاب، بفتح القاف والزاى والعين. سَلْع: بفتح السين وسكون اللام، جبل قرب المدينة وهو في الجهة الغربية الشمالية منها، وقد دخل الآن في العمران. الترسْ: صفيحة مستديرة من حديد، يتَّقُونَ بها في الحرب ضربَ السيوف. الآكام والظراب: الآكام التلون المرتفعة من الأرض والظراب الروابي والجبال الصغار، ومفرد الآكام أكمه. والظراب جمع ظَرِب بفتح الظاء وكسر الراء. ما رأينا الشمس سبتاً بكسر السين وفتحها: يعنى أسبوعا، من باب تسمية الشيء ببعضه. يمسكها: يجوز فيه الرفع، ويجوز الجزم في جواب الطلب. المعنى الإجمالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب في مسجده يوم الجمعة، ودخل رجل، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله- مبيناً للنبي عليه الصلاة والسلام، ما فيهم من الشدة والضيق، بسبب انحباس المطر الذي جُلُّ معيشتهم عليه، وطلب منه الدعاء لهم بتفريج هذه الكربة- هلكت الحيوانات من عدم الكلأ، وانقطعت الطرق، فهزلت الإبل التي نسافر ونحمل عليها. ولكونك القريب من الله تعالى، مستجاب الدعاء، ادعُ الله أن يغيثنا، فبالغيث يزول عنا الضرر، ويرتفع القحط. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم أغثنا» ثلاث مرات، كعادته في الدعاء، والتفهيم في الأمر المهم. ومع أنهم لم يروا في تلك الساعة في السماء من سحاب ولا ضباب إلا أنه في أثر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم، طلعت من وراء جبل سلع قطعة صغيرة، فأخذت ترتفع. فلما توسطت السماء، توسعت وانتشرت، ثم أمطرت، ودام المطر عليهم سبعة أيام. حتى إذا كانت الجمعة الثانية، دخل رجل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب الناس، فقال- مبيناً أن دوام المطر، حَبسَ الحيوانات في أماكنها عن الرَّعْي، حتى هلكت، وحبس الناس عن الضرب في الأرض والذهاب والإياب في طلب الرزق- فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع يديه ثم قال ما معناه: اللهم إذا قدرت بحكمتك استمرار هذا المطر، فليكن حول المدينة لا عليها، لئلا يضطرب الناس في معاشهم، وتسير بهائمهم إلى مراعيها، وليكون نزول هذا المطر في الأمكنة التي ينفعها نزوله، من الجبال، والروابي، والأودية، والمراعي. وأقلعت السماء عن المطر فخرجوا من المسجد يمشون، وليس عليهم مطر. فصلوات الله وسلامه عليه. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية الخطبة قائماً وإباحة مكالمة الخطيب، وتقدم في الجمعة هذا البحث. 2- مشروعية الاستسقاء في الخطبة، واقتصر عليها أبو حنيفة، بدون صلاة والجمهور على أن الاستسقاء يكون بصلاة خاصة، وخطبة الجمعة وفي الدعاء وحده. 3- رفع اليدين في الدعاء، لأن فيه معنى الافتقار، وتحرِّي معنى الإعطاء فيهما، وقد أجمع العلماء على رفعهما في هذا الموقف واختلفوا فيما عداه، فبعضهم عدّاه إلى كل حالة دعاء، وبعضهم قصره على المواطن الوارد فيها. فال الحافظ ابن حجر: إن في رفع اليدين في الدعاء مطلقاً أحاديث كثيرة. عند البخاري والمنذريّ والنووي. 4- معجز من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وكراماته، الدالة على نبوته، فقد استجيب دعاؤه في الحال، في جلب المطر ورفعه. 5- أن فعل الأسباب لطلب الرزق، من الدعاء، والضرب في الأرض، لا ينافي التوكل على الله تعالى. 6- استحباب الدعاء بهذا الدعاء النبوي لطلب الغيث. 7- جواز الاستصحاء عند الضرر بالمطر. وخص بقاء المطر على الآكام والظراب وبطون الأودية لأنها أوفق للزراعة والرعي في شواهق الجبال التي لا تنال إلا بمشقة. 8- جواز طلب الدعاء ممَّن يظن فيهم الصلاح والتقى، وهذا التوسل الجائز. وقد قسم شيخ الإسلام ابن تيمية التوسل إلى ثلاثة أقسام، اثنان جائزان. الأول: طلب دعاء الله من الحيِّ الذي يظن فيه الخير. والثاني: التوسل بفعل الأعمال الصالحة فهذان القسمان مشروعان. أما الثالث فممنوع، وهو التوسل بجاه أحد من المخلوقين، حياً أو ميتاً، فهذا لايجوز، لأنه من وسائل الشرك. .باب صَلاَة الخوف: ليس لها سبب إلا الخوف حضراً أو سفراً، وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. وقد وردت بصفات متعددة، كلها جائزة.وبما أنها شرعت رحمة بالمصلين في هذه الشدة وتخفيفاً عنهم فإن الأنسب للمصلين أن يختاروا من هذه الوجوه الواردة أنسبها للمقام. ويختلف ذلك باختلاف جهة العدو وقربه، وبعده، وشدة الخوف، أو خفته. الحديث الأول: عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضيَ الله عَنْهُمَا قَال: صَلَّى بنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاَةَ الخَوْفِ في بعض أيامه التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، فَقَامت طَاَئِفَة مَعَه، وَطَائفَة بإزَاء العَدُوِّ، فَصَلَّى بالذين مَعه رَكْعَةً ثمَّ ذَهَبُوا، وَجَاءَ الآَخَرُون فَصَلَّى بهمْ رَكْعَةً، وَقضت الطَّاِئفَتَانِ رَكعَةً رَكعَةً. المعنى الإجمالي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بأصحابه في بعض حروبه مع المشركين حينما التقى المسلمون بعدوهم من الكفار وخافوا من شَنِّ الغارة عليهم عند اشتغالهم بالصلاة. فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة طائفتين، طائفة قامت معه في الصلاة، وطائفة وجاه العدو، يحرسون المصلين. فصلى بالتي معه ركعة، ثم ذهبوا وهم في صلاتهم. وجاءت الطائفة التي لم تصل، فصلى بها ركعة ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم. فقامت الطائفة التي معه أخيراً فقضت الركعة الباقية عليها، ثم ذهبوا للحراسة، وقضت الطائفة الأولى الركعة التي عليها أيضا. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية صلاة الخوف عند وجود سببها، حضرا أو سفرا، تخفيفا على الأمة ومعونة لهم عل جهاد الأعداء، وأداءً للصلاة في جماعة وفى وقتها المحدد. 2- الإتيان بها على هذه الكيفية التي ذكرت في الحديث، مع زيادة تفصيلات في هذه الوجهة ذكرتها في الشرح الإجمالي، استزدتها من بعض طرق هذا الحديث. 3- أن الحركة الكثيرة لمصلحة الصلاة، أو للضرورة، لا تبطل الصلاة. 4- الحرص الشديد على الإتيان بالصلاة في وقتها ومع الجماعة، فقد سمح بأدائها على هذه الصفة محافظة على ذلك. 5- أخذ الأهبة، وشدة الحذر من أعداء الدين، الذين يبغون الغوائل للمسلمين. الحديث الثاني: عَنْ يَزيدَ بن رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بن خَوَّاتِ بن جُبَيْرٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ ذَاتَ الرِّقَاعِ صَلاَةَ الخَوْفِ: أنَّ طَاِئفة صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وجَاهَ العَدُوِّ، فصَلَّى بِالذين مَعَهُ رَكْعَةً، ثُم ثَبَتَ قَاِئماً فَأتموا لأنفُسِهِمْ، ثم انصَرفوا فَصَفُّوا وِجَاهَ العَدو، وَجَاءَتِ الطاِئفَةُ الأخْرَى فَصَلّى بِهِمُ الركعَةَ التي بَقِيتْ ثمَّ ثبت جالِساً وَأَتمُّوا لأنفُسِهمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهم. الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو سهل بن أبي حَثْمَة. الغريب: ذات الرقاع: هي غزوة غزا النبي صلى الله عليه وسلم فيها غطفان ومنازلهم بعالية نجد بين المدينة والقصيم وتواقفوا ولم يحصل قتال. قيل: سميت بذلك، لانتقاب أرجلهم من الحفى، فلفوها بالخرق. المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يكون العدو في غير جهة القبلة، لأن منازله في شرق المدينة، ولذا صفت طائفة، ووقفت الأخرى في وجه العدو الذي جعله المصلون خلفهم. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعة بالذين معه، ثم قام بهم إلى الثانية فثبت فيهما قائماً، وأتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، وانصرفوا وِجَاهَ العدو. وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة الباقية، ثم ثبت جالساً وقاموا فأتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلم بهم. اختلاف العلماء: رويت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأوجه متعددة قال ابن حزم صح منها أربعة عشر وجها وأفرد لها جزءا وقال النووي: يبلغ وجوهها ستة عشر وجها وقال ابن العربي أربعا وعشرين- أما ابن القيم في كتابه- الهدى- فقال: إنها ستة أو سبعة أوجه. وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من اختلاف الرواة. أما الإمام مالك فذهب إلى الصفة التي ذكرت في حديث سهل بن أبي حثمة: وأما الإمام الشافعي فاختار حديث صالح بن خوات. وأما الإمام أبو حنيفة وطائفة من الفقهاء فتارة يرجحون ما وافق ظاهر الصفة المذكورة في القرآن وتارة يختارون ما كثرت رواته من الأحاديث. أما الإمام أحمد فقد سأله تلميذه الأثرم فقال: قلت لأبي عبد الله تقول بالأحاديث كلها فكل حديث بموضعه أو تختار واحدا منها فقال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن وأما حديث سهل فأنا أختاره. قال الصنعاني: وكلام أحمد حسن مع صحة الصفات وتعدد فعله صلى الله عليه وسلم لتلك الصفات. أما ابن القيم في الهدى فصح عنده ستة أو سبعة وجوه وسردها حسب حال العدو وكأنه يختار الأخذ بها كلها تبعاً لاختلاف حال العدو. وقال السهيلي في كتابه- الروض الأنف- اختلف العلماء في الترجيع فقالت طائفة يعمل بما كان أشبه بظاهر القرآن. وقالت طائفة يجتهد في طلب الآخر منها فإنه الناسخ لما قبله. وقالت طائفة: يؤخذ بأصحها نقلاً. وقالت طائفة: يؤخذ بجميعها على حسب اختلاف أحوال الخوف. اهـ منه. وما اختاره الإمام أحمد ورجحه ابن القيم وذكره السهيلي هو الذي تميل إليه النفس عملاً بالأحاديث كلها وتيسيرا على المصلين عند تبدل أحوال العدو. والله أعلم. ما يؤخذ فن الحديث: 1- فيه ما تقدم من مشروعية صلاة الخوف وتأكد صلاة الجماعة، وأخذ الحذر من أعداء الدين. 2- الإتيان بالصلاة على هذه الكيفية وهى مناسبة، حيث العدو في غير جهة القبلة، كالتي قبلها، فكلاهما في ذات الرقاع إلا أنهما في وقتين، فاختلفا. 3- وفيه مخالفة لصلاة الأمن، وهي تطويل الركعة الأخيرة على الأولى، وأن المأمومين الذي فاتهم شيء من الصلاة أتموه قبل سلام الإمام. 4- وفيه مفارقة المأموم لإمامه لمثل هذا العذر. وقد وردت المفارقة فيما هو أخف من ذلك كالذي صلى مع معاذ فلما أطال القراءة، انفرد وأتم لنفسه، لكونه صاحب حاجة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. الحديث الثالث: عن جَابِرِ بن عَبْدِ الله الأنصَارِي رَضي الله عَنْهُما قال: شَهِدتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الخَوفِ، فصَففنَا صَفَّيْن خَلْفَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالعَدُوُّ بيننَا وَبَيْنِ القِبلَةِ، فَكَبَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم وكبَّْرْنا جَمَيعاً ثُم رَكَعَ وَرَكَعنَا جَميعا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسهُ مِنَ الركُوعِ وَرَفَعنَا جَمِيعا، ثُمَّ انحَدَرَ بالسُّجُودِ وَالصف الَّذِي يلِيهِ، وَقَامَ الصَّف المُؤَخَّرُ في نَحْرِ العَدوِّ، فَلما قَضَى النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصف الذِي يلِيهِ، انحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بالسجُودِ وَقامُوا، ثُم تَقَدَّمَ الصف المُؤَخَّرُ وَتَأخَّرَ الصَّف المُقَدمُ ثم رَكَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكعنَا جَمِيعاَ، ثمَّ رَفَعََ رَأسَهُ مِنَ الركُوعِ فَرَفَعْنَا جَمِيعاً، ثمَّ انْحَدَرَ بِالسجُودِ وَالصَّفُّ الذي يلِيِهِ- الّذِي كَانَ مُؤَخَّراً في الركْعَةِ الأولَى- فَقَامَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ في نَحْرِ العدو. فَلما قَضى النبي صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الًذِي يليهِ، انْحَدرَ الصف المُؤَخرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدوا، ثم سَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً. قال جابر: كَمَا يَصنعُ حَرَسُكُم هؤُلاَءِ بِأمَرَائكُم. ذكره مسلم بتمامه. وذكر البخاري طرفاَ منه، وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع. المعنى الإجمالي: هذه الكيفية المفصلة في هذا الحديث عن صلاة الخوف، مناسبة للحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين ذاك، من كون العدو في جهة القبلة. ويرونه في حال القيام والركوع، وقد أمنوا من كمين يأتي من خلفهم. ما يؤخذ من الحديث: 1- صلاة الخوف على هذه الصفة المذكورة، لوجود الحال المناسبة، وانتفاء المحاذير المنافية. 2- الحراسة- هنا- وقعت في حال السجود فقط، لأنهما في غيره يرون العَدوَّ كلهم. 3- قوله: «والعلو بيننا وبين القبلة» مفهومه أنه لو كان العلو في غير القبلة، لصلوا على غير هذه الصفة، كما تقدم في صفتها في الحديثين السابقين وغيرهما. وتقدم أن لتعدد وجوهها فوائد، منها مراعاة حال العدو، وجهاته. 4- وفيه بيان حسن القيادة، وتدبير الجيوش وإبعادها عن المخاوف، ومفاجآت الأعداء، واتخاذ الاحتياطات في ذلك. 5- وفيه بيان العدل، وأنه مما تحلى به النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله. فقد عدل بينهم بالصلاة، فجعلهم يتناوبون فيها. وعدل بينهم بالصلاة، فكل من الطائفتين صلت معه ركعة. وعدل بينهم في قيامهم في الصف الذي يليه. وهكذا شأنه في جميع أموره صلى الله عليه وسلم. 6- وفيه أن الحركة المطلوبة ولو كثرت، لا تُخِلُّ في الصلاة كالتقدم إلى المكان الفاضل ونحو ذلك. وتقدم حكم الحركة وأقسامها في حديث قصة حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة، وهو الحديث (الواحد والتسعون). فائدة هامة: قال الصنعاني عند اختلاف العلماء في صلاة الخوف: هذا القول (وهو) الحديث إذا صح فهو مذهبي، صح عن الإمام الشافعي، وصح أيضاً عن أبي حنيفة ومالك وأحمد، بل هذا معلوم أنه لسان حال كل مؤمن، فإنه إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، وقد قال من جهله قولا يخالفه، فإن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم على كل ما سواه بنص {وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانهوا} بل ذلك معنى الإيمان بالرسالة والنبوة، وفي كلام الأئمة الأربعة وغيرهم دليل على أنهم لم يحيطوا بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معلوم قطعاً، إلا أن جهلةِ المقلدين يأنفون من أن يقال: إن إمامهم ما وصل إليهم الحديث الذي يخالف مذهبهم، بل يقولون: قد عرفه وعرف أنه منسوخ أو مؤول أو نحو ذلك من الأعذار التي لا تنفق عند النقاد. ولهذا أمور: إن من تبع إمامه في مسألة قد ثبت النص بخلاف ما قاله إمامه فيها فإنه غير تابع لإمامه، لأنه قد صرح بأنه لا يتابع في قوله إذا خالف النص. اهـ. .كتاب الجَنَائز: الجنائز: جمع جنازة بالفتح، والكسر أفصح. اسم يطلق على الميت وعلى السرير مع الميت.وللميت أحكام كثيرة، ذكروا هنا منها، الصلاة وما يتعلق بها، من التغسيل والتكفين، والدفن وغير ذلك. أما الحقوق المالية، فتأتي في الوصايا والفرائض. وبما أن الكتاب مختصر، فإن المصنف لم يأت بكل ما تدعو الحاجة إليه من الأحاديث المتعلقة بالميت، ولذا فإننا نذكر نبذة من الفوائد التي صحت بها الأحاديث. فمن حق المريض على إخوانه المسلمين عيادته، وإدخال السرور عليه. فإذا كان في حال خطره، يذكر بالتوبة، وقضاء الديون، والوصية، لاسيما فيما يجب عليه بيانه، ويكون ذلك بلطف، لا يشعر معه بالخوف من دُنُوٍّ أجله، ويتأكد على المريض ذلك، وأن يخرج من المظالم، ويستغفر عن المعاصي وأن يحسن ظنه بالله تعالى. فإذا حضره الموت، سُنَّ لمن حضره تلقينه الشهادتين بلطف، وتوجيه إلى القبلة. فإذا مات غمضت عيناه، ولينت مفاصله، وأسرع بتجهيزه، ما لم يكن في تأخيره مصلحة. وتغسيل الميت، وتكفينه، وحمله، والصلاة عليه، ودفنه. فروض كفاية، إذا قام بها من يكفي، تسقط عن الباقين، شأن كل فرض كفاية. فإن ترك، صار الإثم على من علم حاله، وقدر على ذلك، ثم تركه. وصفة الصلاة عليه أربع تكبيرات، بعد الأولى الفاتحة، وبعد الثانية الصلاة على النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة الدعاء للميت، وبعد الرابعة سكتة لطيفة، ثم السلام. قال شيخ الإسلام: الذي ثبت في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن، ويقول: سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل. وقد ثبت أن المقبور يسأل ويمتحن. وأنه يؤمر بالدعاء له. .باب في الصَّلاَة على الغائب وعلى القبر: الحديث الأول:عَنْ أبي هُريرة رَضِي الله عَنْهُ قال: نَعَىِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم النجَاشي في اليَوْم الذي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ إِلى الْمُصَلَّى فصَفَّ بِهمْ وَكَبَّرَ أرْبَعَاً. الحديث الثاني: عن جَابر رَضِي الله عَنْهُ أنَّ النَبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ في الصَّفِّ الثاني أو الثالِث. الغريب: نعى: نعاه ينعاه بفتح أوله. والنعي: الإخبار بالموت. النجاشي: بفتح النون على المشهور، قال في النهاية: والصواب تخفيف الياء- اسمه أصحمة توفى في رجب، سنة تسع، رضي الله عنه. المعنى الإجمالي: النجاشي ملك الحبشة له يد كريمة على المهاجرين إليه من الصحابة، حين ضيِّقت عليهم قريش في مكة، ولم يسلم أهل المدينة بعد فأكرم وفادتهم. ثم قاده حسن نيته، واتباعه الحق، وطرحه الكبر إلى أن أسلم، فمات بأرضه، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم. فلإحسانه إلى المسلمين، وكبر مقامه، وكونه بأرض لم يصَلَّ عليه فيها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بموته في ذلك اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلَّى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات، شفاعة له عند الله تعالى. اختلاف العلماء: اختلف العلماء في الصلاة على الغائب. ذهب أبو حنيفة ومالك: إلى أنها لا تشرع. وجوابهم على هذه الأحاديث أنها خاصة بالنبي صلى الله صلى الله عليه وسلم. وذهب الشافعي وذلك المشهور عند أصحاب الإمام أحمد إلى أنها مشروعة لهذه الأحاديث الصحيحة، والخصوصية تحتاج إلى دليل، وليس هنا دليل. وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: إن كان الغائب لم يصل عليه، صُلِّىَ عليه كهذه القضية، وإن كان قد صُلِّىَ عليه، فقد سقط الفرض بذلك عن المسلمين. وهو مروي عن الإمام أحمد، وصححه ابن القيم في الهدى، لأنه توفى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أناس من أصحابه غائبين، ولم يثبت أنه صلى على أحد منهم. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه قال: إذا مات رجل صالح، صُلِّىَ عليه، واحتج بقضية النجاشي. وقد رجح هذا التفصيل شيخنا عبد الرحمن آل سعدى وعليه العمل في نجد فإنهم يصلون على من له فضل على المسلمين، ويتركون من عداه. وقال ابن القيم: أصح الأقوال هذا التفصيل. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية الصلاة على الميت، لأنها شفاعة ودعاء من إخوانه المصلين. 2- مشروعية الصلاة على الغائب، وتقدم أن الحديث ليس على إطلاقه، بل يخص بها من له فضل وإحسان عامٌّ على الإسلام والمسلمين. 3- الصلاة على الميتِ في مصلَّى العيد إذا كان الجمع كثيرا. 4- التكبير في صلاة الجنازة أربع، وتقدم في أول الباب ما يقال بعد كل واحدة منهن. 5- فضيلة كثرة المصلين وكونهم ثلاثة صفوف. لما روى أصحاب السنن أيضا: «ما من مؤمن يموت فيصلى عليه أمة من المسلمين، يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف، إلا غُفِرَ له». 6- الإخبار بموت الميت للمصلحة في ذلك، من تكثير المصلين، وإخبار أقاربه فإن ذلك ليس من النعي المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والنعي، فإن النعي عمل الجاهلية» وذلك أنهم يأخذون ينادون عليه في المحلات العالية بأنواعه المدائح الصحيحة والمكذوبة، وفيه مفاسد من وجوه كثيرة. الحديث الثالث: عن ابنِ عَبَّاس رَضي الله عَنْهُمَا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَّى عَلى قَبْر بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّر عَلَيْهِ أرْبَعاً. المعنى الإَجمالي: قد جُبلَ النبي صلى الله عليه وسلم على محاسن الأخلاق، ومن ذلك ما اتصف به من الرحمة والرأفة، فما يَفْقِدُ أحداً من أصحابه حتى يسأل عنه، ويتفقد أحواله. فقد سأل عن صاحب هذا القبر، فأخبروه بوفاته، فأحب أنهم أخبروه ليصلى عليه، فإن صلاته سكنُ للميت، ونور يزيل الظلمة التي هو فيها، فصلى على قبره كما يصلى على الميت الحاضر. الأحكام: 1- مشروعية الصلاة على القبر، ولا يلتفت إلى من منعه، لرَدِّه النصوص بلا حجة. وقيده بعض العلماء، بمدة شهر، وبعضهم حتى يَبْلَى جسده، وبعضهم جوَّزه أبداً. وقد جاء في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلا فقال: متى دفِن هذا؟ قالوا: البارحة. قال ابن القيم: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى- على القبر في ستة أوجه حسان. 2- أن الصلاة على القبر، مثل الصلاة على الميت الحاضر. 3-َ ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرحمة والرأفة، وتفقد الواحد من أصحابه. مهما كانت منزلته، فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن صاحب هذا القبر امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أي تكنسه. |